سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


قوله تعالى: {والوزن يومئذ الحق} أي: العدل. وإنما قال: {موازينه} لأن {من} في معنى جميع، يدل عليه قوله: {فأولئك}. وفي معنى {يظلمون} قولان:
أحدهما: يجحدون. والثاني: يكفرون.
قال الفراء: والمراد بموازينه: وزنه. والعرب تقول: هل لك في درهم بميزان درهمك، ووزن درهمك، ويقولون: داري بميزان دارك، ووزن دارك؛ ويريدن: حذاء دارك.
قال الشاعر:
قَدْ كنتُ قَبْلَ لقائكم ذا مِرّةٍ *** عندي لكلِّ مُخَاصِمٍ ميزانُه
يعني: مثل كلامه ولفظه.
فصل:
والقول بالميزان مشهور في الحديث، وظاهر القرآن ينطق به. وأنكرت المعتزلة ذلك، وقالوا: الأعمال أعراض، فكيف توزن؟ فالجواب: أن الوزن يرجع إلى الصحائف، بدليل حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل يستخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الناس يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سِجِلاً، كُلُّ سِجِلٍّ مدُّ البصر، ثم يقول له: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمتك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب. فيقول: ألك عذر أو حسنة؟ فيبهت الرجل، فيقول: لا يا رب؛ فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة واحدة، لا ظُلم عليك اليوم، فيُخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فتوضع السجِلاَّت في كفة، والبطاقة في كفة، قال: فطاشت السجلات وثقلت البطاقة» أخرجه أحمد في مسنده، والترمذي. وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يؤتى بالرجل الطويل الأكول الشروب، فلا يزن جناح بعوضة» فعلى هذا يوزن الإنسان. قال ابن عباس: توزن الحسنات والسيئات في ميزان، له لسان وكِفّتان. فأما المؤمن، فيؤتى بعمله في أحسن صورة، فيوضع في كفة الميزان، فتثقل حسناته على سيئاته، وأما الكافر، فيؤتى بعمله في أقبح صورة، فيوضع في كفة الميزان، فيخف وزنه. وقال الحسن: للميزان لسان وكفتان. وجاء في الحديث: «أن داود عليه السلام سأل ربه ان يريه الميزان، فأراه إياه، فقال: يا إلهي، من يقدر أن يملأ كفتيه حسنات، فقال: يا داود إني إذا رضيت عن عبدي ملأتها بتمرة» وقال حذيفة: جبريل صاحب الميزان يوم القيامة، فيقول له ربه: زن بينهم، ورُدَّ من بعضهم على بعض؛ فيرد على المظلوم من الظالم ما وجد له من حسنة. فان لم تكن له حسنة، أخذ من سيئات المظلوم، فرد على سيئات الظالم، فيرجع وعليه مثل الجبال.
فان قيل: أليس الله يعلم مقادير الأعمال، فما الحكمة في وزنها؟ فالجواب: أن فيه خمسة حكم.
إِحداها: امتحان الخلق بالإِيمان بذلك في الدنيا. والثانية: إظهار علامة السعادة والشقاوة في الأخرى. والثالثة: تعريف العباد ما لهم من خير وشر. والرابعة: إقامة الحجة عليهم. والخامسة: الإعلام بأن الله عادل لا يظلم. ونظير هذا أنه أثبت الاعمال في كتاب، واستنسخها من غير جواز النسيان عليه.


قوله تعالى: {ولقد مكنَّاكم في الأرض} فيه قولان:
أحدهما: مكنَّاكم إياها. والثاني: سهَّلنا عليكم التصرف فيها.
وفي المعايش قولان:
أحدهما: ما تعيشون به من المطاعم والمشارب.
والثاني: ما تتوصَّلون به إلى المعايش، من زراعة، وعمل، وكسب. وأكثر القراء على ترك الهمز في {معايش} وقد رواها خارجة عن نافع مهموزة. قال الزجاج: وجميع النحويين البصريين يزعمون أن همزها خطأ، لأن الهمز إنما يكون في الياء الزائدة، نحو صحيفة وصحائف؛ فصحيفة من الصحف؛ والياء زائدة، فأما معايش، فمن العيش، فالياء أصلية.
قوله تعالى: {قليلاً ما تشكرون} أي: شكركم قليل. وقال ابن عباس: يريد: أنكم غير شاكرين.


قوله تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} فيه ثمانية أقوال.
أحدها: ولقد خلقناكم في ظهر آدم، ثم صورناكم في الأرحام، رواه عبد الله بن الحارث عن ابن عباس.
والثاني: ولقد خلقناكم في أصلاب الرجال، وصورناكم في أرحام النساء، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال عكرمة.
والثالث: {ولقد خلقناكم}، يعني بني آدم {ثم صورَّناكم}، يعني ذريته من بعده رواه العوفي عن ابن عباس.
والرابع: {ولقد خلقناكم}، يعني آدم، {ثم صورناكم} في ظهره، قاله مجاهد.
والخامس: {خلقناكم} نطفاً في أصلاب الرجال، وترائب النساء، {ثم صورَّناكم} عند اجتماع النطف في الأرحام، قاله ابن السائب.
والسادس: {خلقناكم} في بطون أُمهاتكم، {ثم صورناكم} فيما بعد الخلق بشق السمع والبصر، قال معمر.
والسابع: {خلقناكم}، يعني آدم خلقناه من تراب، {ثم صورناكم}، أي: صوَّرناه، قاله الزجاج، وابن قتيبة. قال ابن قتيبة: فجعل الخلق لهم إذ كانوا منه؛ فمن قال: عنى بقوله: {خلقناكم} آدم، فمعناه: خلقنا أصلكم؛ ومن قال: صورنا ذريته في ظهره، أراد إخراجهم يوم الميثاق كهيئة الذر.
والثامن: {ولقد خلقناكم} يعني الأرواح، {ثم صورناكم} يعني الأجساد، حكاه القاضي أبو يعلى في المعتمد. وفي {ثم} المذكورة مرتين قولان:
أحدهما: أنها بمعنى الواو، قاله الأخفش. والثاني: أنها للترتيب، قاله الزجاج.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8